الفصل الثالث: المعلقات المعلقات تحتل المعلقات المقام الاول بين قصائد الجاهلية .
هي قصائد طوال من اجود ما وصل الينا من الشعر الجاهلي . وقد زعم ابن عبد ربه وابن رشيق وابن خلدون انها سبع قصائد ، فكتبتبماء الذهب وعلقت على استار الكعبة ، سميتب: المعلقات تارة والمذهبات تارة اخرى ، وسميتبالسبع الطوال ثالثة وايضا بالسموط .
وقد ذهب الرواة الى ان اول قصيدة نالت اعجاب المحكمين في سوق عكاظ هي معلقة امرئ القيس .
اهم شعراء المعلقات: ونحدث عن:
1- امرؤ القيس الكندي: لقب بالملك الضليل ، لقب ذكر في نهج البلاغة ، توفي سنة 540م .
2- طرفة بن العبد البكري: كان اقصرهم عمرا ، اشتهر بالغزل والهجاء ، توفي سنة 569م .
3- الحارث بن حلزة اليشكري: اشتهر بالفخر ، واطول الشعراء عمرا ، توفي سنة 580م .
4- عمرو بن كلثوم: كان مشهورا بالفخر ، امه ليلى بنت المهلهل ، توفي سنة 600م .
5- علقمة الفحل: كان شاعرا بدويا ، توفي سنة 603م .
6- النابغة الذبياني: زعيم الشعراء في سوق عكاظ ، توفي سنة 604م . 7- عنترة بن شداد العبسي: اشتهر بانه احد فرسان العرب ، واكثر شعره بالغزل والحماسة ، توفي سنة 615م .
8- زهير بن ابي سلمى: كان اعفهم قولا ، واكثرهم حكمة ، ابنه كعب بن زهير من شعراء صدر الاسلام ، توفي زهير سنة 627م .
9- الاعشى الاكبر (اعشى القيس)، اراد ان يلتحق بالاسلام فخدعه قومه حيث قالوا له: نعطيك مائة ناقة لكي تؤجل اسلامك الى السنة القادمة ، فوافق ، وبعد ستة اشهر توفي اي مات كافرا وذلك سنة 629م .
10- لبيد بن ربيعة العامري: الوحيد الذي اسلم ، وقال الشعر في العهد الجاهلي والاسلامي حيث قال رسول الله صلى الله عليه وآله: «اصدق كلمة قالتها العرب كلمة لبيد:
الا كل شيء ما خلا الله باطل
وكل نعيم لا محالة زائل» (1)
فاستدرك رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: الا نعيم الآخرة .
يتبين لنا ان لبيدا كان من شعراء الجاهلية الاشراف ، حيث اجمعت المصادر على ان لبيدا قال في الاسلام:
الحمد لله اذ لم ياتني اجلي
حيث اكتسيت من الاسلام سربالا (2)
وعندما تقدم به السن كان رجل حكمة وموعظة ورزانة ، لذا نلاحظ نماذج من غرر ما يتمثل من الابيات الشعرية المستحسنة للشاعر لبيد حين يقول:
واذا رمت رحيلا فارتحل
واعص ما يامر توصيم الكسل
واكذب النفس اذا حدثتها
ان صدق النفس يزري بالامل
وما المال والاهلون الا وديعة
ولا بد يوما ان ترد الودائع
وما المرؤ الا كالشهاب وضوئه
يحور رمادا بعد اذ هو ساطع
كانت قناتي لا تلين لغامز
فالانها الاصباح والامساء
ودعوت ربي بالسلامة جاهدا
ليصحني فاذا السلامة داء
ذهب الذين يعاش في اكنافهم
وبقيت في خلف كجلد الاجرب (3)
وقد توفي سنة 661م ، وله من العمر اكثر من مائة سنة .
وفيما يلي نتحدث عن خمسة من هؤلاء ، مع ذكر نماذج من شعرهم .
امرؤ القيس هو ابو الحارث جندج بن حجر الكندي ، امه اخت المهلهل وكليب . ولد في نجد سنة 500 ميلادي ، وعاش في اللهو ونظم الشعر ، فطرده ابوه; فسمي بالامير الطريد ، فراح يتنقل بين الاحياء فلقب بالملك الضليل .
اجمع النقاد بانه شاعر وجداني وله المنزلة الاولى بين الشعراء الجاهليين ، حيث قالوا في معلقته (قفا نبك) التي تتكون من ثمانين بيتا: انه وقف واستوقف ، وبكى واستبكى ، وذكر الحبيب والمنزل في بيت واحد ، فهو اول شاعر اطال الوقوف على الاطلال وبكى ، وان كان قد سبقه الشاعر ابن جذام; لذلك فانه امير لهو وصيد ومغامرات وبطل متشرد .
عندما سمع بمقتل ابيه قال: «ضيعني ابي صغيرا ، وحملني دمه كبيرا» ، فودع اللهو والترف ، فاخذ يستعد للمطالبة بالثار .
لقد تفشى في جسده داء الجدري واودى بحياته سنة 540م .
ترجم ديوانه الى اللاتينية والالمانية .
المختار من شعره: كان امرؤ القيس ذا نفس عاطفية شديدة الانفعال ، فشعره يمتاز ببديع المعنى ودقة النسيب ومقاربة الوصف ، فمعلقته تحتوي على الهم والغم والبكاء على الحبيب ومنزل الحبيب ، وفيه الغزل العفيف والماجن ، وفيه وصف الليل ، خاصة ونحن نعلم ان ابن البادية يزداد همه في الليل ، فتلاحظ في شعره اللهو والذي يحز في قلب الشاعر صفة التشرد بعد حياة الترف التي ادت الى ان يسكب الشاعر عبرات تسيل على اقواله الغزلية لتطغى حرارة حسراته فيقول:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
بسقط اللوى (4) بين الدخول فحومل (5)
ترى بعر الارآم في عرصاتها
و قيعانها كانه حب فلفل
كاني غداة البين يوم تحملوا
لدى سمرات الحي ناقف حنظل
و قوفا بها صحبي علي مطيهم
يقولون لا تهلك اسى وتجمل
فدع عنك شيئا قد مضى لسبيله
ولكن على ما غالك اليوم اقبل
وقفتبها حتى اذا ما ترددت
عماية محزون بشوق موكل
وان شفائي عبرة ان سفحتها
وهل عند رسم دارس من معول (6)
وقد يجمع امرؤ القيس في غزله وبوقت واحد المناجاة والعتاب والرجاء والذلة والعزة والرقة ، كما في قوله:
افاطم مهلا بعد هذا التدلل
وان كنت قد ازمعت صرمي فاجملي
اعزك مني ان حبك قاتلي
وانك مهما تامري القلب يفعل
فقالت: يمين الله ما لك حيلة
وما ان ارى عنك الغواية تنجلي (7)
اما شعره في الخيال والطبيعة يقول:
وليل كموج البحر ارخى سدوله (
علي بانواع الهموم ليبتلي (9)
فقلت له لما تمطى بصلبه (10)
واردف اعجازا (11) وناء بكلكل (12)
الا ايها الليل الطويل الا انجلي
بصبح وما الاصباح منك بامثل
فيا لك من ليل كان نجومه
بامراس كتان الى صم جندل (13)
فامرؤ القيس في حياته وبعد مماته يعد من كبار شعراء العرب وزعيم الشعر القديم .
ونلاحظه يصف الحياة بقوله:
مكر مفر (14) مقبل مدبر معا
كجلمود صخر خطه السيل من عل (15)
عمرو بن كلثوم عمرو بن كلثوم بن مالك ، من بني تغلب ، امه ليلى بنت المهلهل الشاعر .
ولد عمرو بن كلثوم في مطلع القرن السادس للميلاد ، وقيل: انه عاش مائة وخمسين عاما ، وكان فارسا شجاعا معجبا بنفسه حيث «انه قتل عمرو بن هند ملك الحيرة في عام 570م ، العام الذي ولد فيه نبينا صلى الله عليه وآله» (16) ، وقيل: انه مات قبل الاسلام .
عمرو بن كلثوم شاعر مطبوع يقال: ان معلقته كانت تبلغ مائة بيت ، وكانت تدور على الحماسة والفخر والهجاء والمدح والغزل وذكر الخمر ومخاطبة الحبيبة ووصفها ، حيث انه اشتهر بمعلقته نظرا لحسن لفظها وانسجام عبارتها وغلو فخرها .
شرح معلقته الزوزني والتبريزي ، وطبعتسنة 1819م ، وقد ترجمت الى اللاتينية والالمانية والانكليزية والفرنسية .
المختار من معلقته: مطلع المعلقة في الخمر والعزل:
الا هبي بصبحك فاصبحينا
ولا تبقي خمور الاندرينا (17)
قفي قبل التفرق يا ظغينا
نخبرك اليقين وتخبرينا (18)
وله في مخاطبة عمرو بن هند بالوعد والوعيد والفخر:
ابا هند، فلا تعجل علينا
وانظرنا نخبرك اليقينا
بانا نورد الرايات بيضا
ونصدرهن حمرا قد روينا
وايام لنا غر طوال
عصينا الملك فيها ان ندينا
ورثنا المجد قد علمت معد
نطاعن دونه حتى يبينا
وانا المانعون لما اردنا
وانا النازلون بحيثشينا
××××
ونشرب، ان وردنا الماء صفوا
ويشرب غيرنا كدرا وطينا
على آثارنا بيض حسان
نحاذر ان تقسم او تهونا
تهددنا وتوعدنا رويدا
متى كنا لامك مقتوينا
الا لا يجهلن احد علينا
فنجهل فوق جهل الجاهلينا (19)
ومن شعره في الخيال الملحمي ، حيثيتخذ الاسلوب القصصي والتصوير الحسن حيثيقول:
ملانا البر حتى ضاق عنا
وظهر البحر نملاه سفينا
لنا الدنيا ومن اضحى عليها
ونبطش حين نبطش قادرينا
اذا بلغ الفطام لنا صبي
تخر له الجبابر ساجدينا (20)
توفي عمرو بن كلثوم عام 570م (21) ، وقيل 600 (22) للميلاد .
زهير بن ابي سلمى ولد زهير في الحاجر سنة 520م ، وعمر 90 عاما ، وقيل 97 عاما ، قضاها رزينا حليما ناصحا بما فيه الخير والسلام محبا للحق .
وقد ذهب المؤرخون بانه كان نصرانيا لما راوا في شعره من النزعة الدينية والايمان بالبعث والحساب ، واكثر من ذلك الموعظة للكف عن الاخطاء والرجوع عن سفك الدماء .
وتوفي زهير بن ابي سلمى قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وآله ، اي قبل عام 610م .
اجمع النقاد بانه لم يمدح احدا الا بما فيه ، وبرع بالمديح ، حيث امتاز مدحه بالصدق ، وكثرت الحكمة في شعره . كما وتتصف قصائده بالتنقيح والتهذيب ، حتى زعموا انه كان ينظم القصيدة في اربعة اشهر ، وينقحها في اربعة اشهر ، ثم يعرضها على اصحابه في اربعة اشهر . فيتم قصيدته في حول (عام كامل)، لذلك عرفت قصيدته بالحوليات .
المختار من شعر معلقته: فاقسمتبالبيت الذي طاف حوله
رجال بنوه من قريش وجرهم
يمينا لنعم السيدان وجدتها
على كل حال من سحيل (23) ومبرم (24)
لقد نشبتحرب عرفتبحرب داحس والغبرا دامت طويلا ، فقد حذر الفريقين (بنو اسد وغطفان) من شر الخيانة واضمار الحرب ووصف نتائجها المشؤومة ، فيقول:
الا ابلغ الاحلاف عني رسالة
وذبيان: هل اقسمتم كل مقسم
فلا تكتمن الله ما في صدوركم
ليخفى ومهما تكتم الله يعلم
وما الحرب الا ما علمتم وذقتم
وما هو عنها بالحديث المرجم
متى تبعثوها تبعثوها ذميمة
وتضر اذا ضربتموها فتضرم (25)
ومما جاء في الحكمة:
ومن يجعل المعروف من دون عرضه
يفره ومن لا يتق الشتم يشتم
ومن يجعل المعروف في غير اهله
يكن حمده ذما عليه ويندم
لسان الفتى نصف ونصف فؤاده
فلم يبق الا صورة اللحم والدم (26)
هكذا كان زهير ، كان قاضي صلح ، يصدر احكامه شعرا ، فهو يصف صديقا الى غايته ، وهو وصافا ماهرا ، حيث تاخذ قصيدته بالمقدمة وبالموضوع والخاتمة .
وقد شرح ديوانه مرات ، وفي عدة اقطار من العالم .
توفي ابن ابي سلمى سنة 627 للميلاد .
طرفة بن العبد ولد طرفة بالبحرين سنة 543م . اشتهر بالوصف - وخاصة وصف الناقة - بالاضافة الى الهجاء والعتاب والشكوى والغزل والحكمة .
كان طرفة اقصر فحول شعراء الجاهلية عمرا ، حيث قتل وهو دون الثلاثين ، ولطرفة ابيات في الحكمة يصور ظلم قومه كالسيف القاطع حيثيقول:
وظلم ذوي القربى اشد مضاضة
على المرء من وقع الحسام المهند
ستبدي لك الايام ما كنت جاهلا
وياتيك بالاخبار من لم تزود (27)
ومن جيد شعر طرفة في الهجاء:
واعلم علما ليس بالظن انه
اذا ذل مولى المرء فهو ذليل
وان لسان المرء ما لم تكن له
حصاة (28) على عوراته (29) لذليل (30)
عنترة بن شداد ابن شداد العبسي ، احد فرسان العرب ممن يضرب به المثل في الشجاعة والنجدة . ولد عنترة في نجد سنة 525م ، واشتهر بالفخر والوصف والحماسة والغزل العفيف والمدح والرثاء ، ومن آثاره ديوان شعره الذي يحتوي حوالي 1500 بيت ، وفي معلقته وصف ملحمي جميل بين الحب والحرب ، واشهر ما في معلقته البالغة 79 بيتا والتي مطلعها:
هل غادر الشعراء من متردم
ام هل عرفت الدار بعد توهم
ولقد ذكرتك والرماح نواهل
مني وبيض الهند تقطر من دمي
فوددت تقبيل السيوف لانها
لمعت كبارق ثغرك المتبسم (31)
وله واصفا شخصيته:
اني امرؤ سمح الخليقة ماجد
لا اتبع النفس اللجوج هواها (32)
وعندما سئل عن عبلة قال:
ولئن سالتبذلك عبلة خبرت
ان لا اريد من النساء سواها (33)