عالم الرمال2007.. بصمة فنية من الطراز الأول
ألمانيا تعيد بناء تاريخ العالم في 14 يوما
سلاحف من الرمل، منحوتة بمهنية عالية جدا
قصور من الرمل تبهر عيون الاطفال («الشرق الأوسط»)
كولون(ألمانيا): ماجد الخطيب
نبش الفنانون رمال شاطىء ترافموندة، على بحر البلطيق (شمال ألمانيا)، على مدى أيام ونبشوا معها للمشاهدين تاريخ العالم في تماثيل بارعة من رمال الشاطىء الناعمة. إذ أقيم "عالم الرمال 2007" هذا العام في ترافموندة بمشاركة عشرات الفنانين الذين يشاركون في معرض" جولة حول العالم" على مساحة 10 كيلومترات مربعة.
وكانت اللجنة المنظمة للمعرض قد حددت للفنانين المشاركين (75 فنانا) موضوع معرض هذا العام على انه "عاصفة رملية" تغطي تاريخ العالم من العصر الحجري إلى يومنا هذا. وقام الفنانون باختيار مواضيع لوحاتهم وتماثيلهم بهدف إحياء التاريخ بأكثر من 100 تمثال مختلفة الأحجام، وتتراوح بين النصب العملاقة، والتماثيل الصغيرة وبالكثير من اللوحات الرملية الصغيرة. ووضعت اللجنة أمام الفنانين 14 يوما كي ينتهوا من تماثيلهم للبدء بعرضها بين 6/7 و 2/9/2007.
وليس الإنسان بحاجة لأن يطمر رأسه في الرمال خشية النظر في عيون مشاهير العالم وبناة التاريخ. فهم تماثيل من رمل عملت سكاكين ومجارف الفنانين طويلا كي تحفر أخاديدها ومعالمها. فهناك الاسكندر المقدوني ونابليون ويوليوس قيصر والملك آرتوس إلى جانب عباقرة التاريخ البشري مثل دافنشي ونيوتن اينشتاين. ويعترف منظم المعرض ديف فيلي بأن تماثيل المشاهير اجتذبت غالبية الجمهور منذ اليوم الأول للافتتاح.
ويستخدم الفنانون، كما هو معروف، رملا خاصا يتكون من ذرات ذات زوايا كي تحتفظ التماثيل بصلابتها لتتحدى عوامل الريح والماء على الشاطىء. لكن التماثيل ليست أبدية بالطبع ولا يمكن بيعها، ولا يبقى من مجال للكسب للفنانين، غير مبيعات البطاقات البريدية التي تحمل صور أعمالهم. واستخدم الفنانون عام 2007 أطنان من الرمل الخاص لتجسيد أعمالهم الفنية في صور ناطقة.
وليس الفنان هنا بحاجة إلى الألوان والمواد وإنما إلى الرمل والماء، فهي عودة حقيقية في مجرى التاريخ الطبيعي، وباستخدام الرمل الحجري الخاص من شركة نيدرلهلم الألمانية. يكّوم الفنانون كتل الرمل بالماء حسب الأحجام التي يحتاجونها، ثم يكبسونها جيدا بآلات خاصة كي تتصلب مؤقتا قبل أن يعملوا عليها بأدوات البنّائين. ويحتاج البعض إلى رافعات صغيرة يدورون بها حول التماثيل الكبيرة لينجزوا الأعمال.
ويبدأ المعرض قرب "منجم الرمل المكعب" في بداية الشاطىء بساعة رملية ضخمة تتابع عمل الفنانين وتخبر المتفرجين بمرور أيام المعرض. ويبدأ العصر الحديث بتماثيل تمثل لويس الرابع عشر أمام قصر فرساي، ثم مشاهد من الثورة الفرنسية كما رسمها الفنان يوجين ديلاكرو في لوحته المعروفة باسم "الحرية للشعب". ثم يأتي تمثال الامبراطور نابليون بونابرت، ويفصل بين الاثنين معرض لا علاقة له بالرمال، ربما فقط لأنه يجري عليه، ويمثل تطور موضة الملابس خلال تلك الفترة.
واجتذب تمثال رائد الفضاء الأميركي نيل ارمسترونغ (ابولو11)، وهو يضع أول قدم بشرية على القمر، الكثير من المشاهدين بسبب جمال العمل وحجمه الكبير. وهبطت ابولو 11 على القمر عام 1969 في أول رحلة للبشر من الأرض على رمال القمر.
وابتدع منظمو المعرض طريقة أخرى لعرض تاريخ العالم بشكل مصغر بالنظر لصعوبة تغطية كافة الأحداث والشخصيات. فتم عرض تاريخ تطور البطاقات البريدية على الرمل، وعرضت على هذا الأساس الكثير من العجائب، مثل الأهرامات وبرج بيزا وغيرهما. إضافة إلى عرض سريع للتاريخ من خلال تطور الساعة من شمسية ، قبل ميلاد المسيح، إلى الساعة الرقمية الحديثة مرورا بالساعة الرملية.
ولا يخلو المعرض من مشاهد مؤثرة من تاريخ الألمان الحديث، فهناك عمل يظهر سقوط جدار برلين 1989 وشخصيتي المستشار الألماني هيلموت كول والرئيس الروسي السابق ميخائيل غورباتشوف وهما ينهيان الحرب الباردة باتفاق يقضي بتحويل الجدار الكونكريتي إلى سراب. وإلى جانب نصب سقوط الجدار يجد المتفرج سيارة رملية من نوع " ترابانت" التي كانت ألمانيا الشرقية تنتجها لحركة المواطنين داخل المدن، وقربها سيارة من حجر تستخدمها عائلة " فايرستون" في سلسلة افلام كارتون عن الحياة في العصر الحجري.
ويكون نسيان الفن"كارثة" بالطبع في معرض للنحت بالرمل، لهذا فقد خصص المعرض مساحة واسعة لعرض" النسخ الرملية" من أعمال مشاهير الفنانين في التاريخ البشري. فهناك لوحات لفان غوخ وبابلو بيكاسو وايدفارد مونش وسلفادور دالي. وكرس الفنانون مكانا أيضا لمشاهير الموسيقيين بدءا بموزار وانتهاء بالبيتلز والفيس بريسلي والرولنغ ستونز ومادونا وروبي ويليامز. ومن على منصة خشبية عالية في المنتصف يطل يوليوس قيصر وكليوباترة على المتفرجين، في حين يتقاتل "المصارعون" حتى الموت بسيوف من رمال في كولوسيوم روما، أمامهما في الاسفل. وبعدهما تأتي الأساطير اليونانية مجسدة بإيكاروس محاولا الطيران وسقوطه في البحر قرب كريتا. وفي مشهد آخر يحرر كبير آلهة الاغريق زيوس أخاه هاديس، من سجن الإله الأب كرونوس، سيد الأرض، ويمهد بذلك لنشوء مملكة الأموات كما هو مذكور في الأساطير اليونانية القديمة.
شارك فنانون من 15 دولة في معرض"عالم الرمال 2007" منهم 11 فنانا من أوروبا وأربعة من الولايات المتحدة والصين وسنغافورة واستراليا. وينتظر أن يزور المعرض أكثر من 200 متفرج مقابل 7 يورو للكبار و 4 يورو للصغار. يرحل الفنانون بعدها إلى هدف لم يحدد بعد للمشاركة في"عالم الرمال 2008" وليبدأوا من جديد نحت أحلامهم الرملية.